تطور المنهج التاريخي من التفسير الإسلامي للتاريخ إلى المقاربة التاريخية للمنظومات القيمية
Loading...
Date
2017-05-23
Authors
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية جامعة محمد بوضياف المسيلة
Abstract
مدخل عالجنا فيه أهمية المنهج، ومفهومه، ونبذة عن التطور الحاصل في المنهج التاريخي في السياق الحضاري الإسلامي، وبعض الاصطلاحات والمفاهيم المتعلقة بالتفسير الإسلامي للتاريخ، كالفلسفة، والتفسير، والتاريخ، ودوافع بروز التفسير الإسلامي للتاريخ، وتفاديا لتضخم المدخل، آثرنا إرجاء مفاهيم المدرسة القيمية لحين فصلها الخاص بها.
وقد توزّع البحث على فصلين جوهريين؛ فصل أول يحمل عنوان: التفسير الإسلامي للتاريخ بين التنظير والتطبيق، ومن العنوان يتضح أنه يشتمل على عنصرين، وهما التنظير والتطبيق، بحيث عالجنا في التنظير مجموعة قضايا تخص التفسير، وهي البعد الغيبي، والقوانين والسنن التي تحكم حركة التاريخ، والفعل التاريخي، وهذا ضمن محور عنوانه: مبادئ حركة التاريخ، بينما في المسألة الحضارية ناقشنا منظومة البناء الحضاري، وقضية الصراع، وختمناه بسقوط وقيام الدول والحضارات.
أما جزء التطبيق فقد عالج أربع قضايا مهمة، وهي البعد الغيبي، والقوانين والسنن التي تحكم حركة التاريخ، وقضية الصراع، وكذلك سقوط وقيام الدول والحضارات، وبطيعة الحال فقد درست هذه القضايا في سياقات تطبيقية.
بينما خصص الفصل الثاني للمدرسة القيمية، وحمل عنون: المقاربة التاريخية للمنظومات القيمية.. المرجعية والتجليات، وقد عالجنا في القسم الخاص بالمرجعية مفهوم القيم، وأهمية القيم، ومصادر القيم ومنابعها، وخصائص القيم الإسلامية.
بينما في قسم التجليات، فقد قمنا فيه بعملية رصد واستقراء للأعمال المنجزة في إطار هذا المشروع، والتي مايزنا فيها بين مجالين: مجال احتوى على ما تم إنجازه في التحقيق، ومجال تطرقنا فيه إلى ما تم إنجازه في التأليف، وهذا المجال الأخير تتوزعه دائرتان: دائرة الشواغل المنهجية، ورصدنا فيه ما أنجز من أعمال، ودائرة الشواغل المعرفة، والتي تنتظم ثلاثة محاور: محور المنظومات الثاوية في أعماق اللاوعي الجمعي الإنساني، والمؤطرة للفكر والسلوك، ومحور المدونات أو النصوص المواربة، التي تفصح عن قدر ضئيل من مكنوناتها، ومحور الخطابات المخاتلة المستندة إلى مستويات متزاحمة من اللا معبر عنه واللا مفكر فيه.
أهم النتائج:
في هاته الدراسة لاحظنا تقاربا كبيراً بين مدرستي الإسلاميات والقيميات، وربما مرد ذلك إلى الاشتراك في المنطلقات، وتشابه الرؤى، والسعي إلى ذات الغايات، فمدرسة التفسير الإسلامي تمنح القيم أهمية بالغة؛ فتارة تفسر بها الحوادث التاريخية، وتارة تصنفها في صدارة الحلول للقيام بالدول، أو السعي إلى إحداث أي تغيير كان، وكيف لا، والقيم تمثل روح الحضارة.
ويظهر بجلاء التقارب بين المدرستين، في تناغم تصورهما عن العبادة؛ فالعبادة عندهما تتخطي مفهوم الطقوس، لتكون تجربة حياة كاملة، يتوازن فيها الأخذ والعطاء، وتغدو مقياسا يقاس به نجاح أو فشل التجربة البشرية، من خلال انسجامها ووفاقها مع السنن والنواميس الكونية، التي تحكم وتسير حركة التاريخ.
كما يتجلى توافق ما بين المدرستين في موقفهما المتزن من المادة -التي راهن آخرون عليها، وجعلوا منها تفسيرا قائما بذاته- لأجل ألاّ تطغى على الإنسان، الذي هو محل التقارب بينهما كذلك، إذ احتل مكانة رفيعة، ودرجة عالية، نظير ما عاناه من تهميش وإقصاء، في ظل التفسيرات الأخرى.
ومن أوجه التقارب التي رصدناها -أيضا- بين المدرستين، الانطلاق من نظرة واقعية إلى الحياة، ودور الإنسان فيها، مع النأي عن الإغراق في المثالية، والإعراض بالقدر الضروري عن العصبية، مع تحري أساليب التغيير والارتقاء بالحضور الإنساني.
والواقع أنها كثيرة هي نقاط الالتقاء بين المدرستين، والمجال لا يتسع لرصدها جميعا، وهي مبثوثة في طيات الدراسة.
وقد توصلنا إلى القول بأن أهمية التاريخ تكمن في إدراك السنن والقوانين، التي تحكم حركة التاريخ، لذا حرص الإسلام على إذكاء التفكر في هاته السنن، وفي المقابل نهى عن هدر الطاقة الفكرية، كالتفكير في أمور لن يصل إليها العقل البشري، مثل ما فعلت الكثير من الفرق والمذاهب الإسلامية، فراحت تفكر في ذات الله، وتناست التفكير في آلاء الله، فضاعت، وأضاعت طاقات جليلة، لم تجن منها سوى التعب والبعد عن الله، ولو تفكرت، واشتغلت في البحث عن السنن، لأدركت كم هي عظيمة النتائج المتحصل عليها من السنن والقوانين، التي تحكم حركة التاريخ، فمن خلالها نستطيع أن نقوم بإحداث تغيير في الوضع الذي آلت إليه الأمة الإسلامية، ولاشك أن الذي يحمل قلباً صادقا يتألم لمصاب أمته، يسعى جاهداً لإصلاح ما يمكن إصلاحه، وبفقه السنن يستطيع أن يترك بصمته في تغيير هذا الوضع المتأزم.
تكتسب القيم أهمية بالغة، وذلك لتغلغلها في جميع أنحاء الحياة البشرية، ولأنه بالقيم تقوم الحياة، وبزوالها تزول وتحول، كان إحياؤها في المجتمع هو الدواء، فالقيم علاج للعفن الذي استشرى في جسد الأمة، ومن دون القيم لن يقوم للأمة كيان، فالتهديد الحقيقي للكيان الحضاري مرده للقيم، وتزداد القيم جدوى عندما تدرس بمنظور تاريخي، بحيث نستطيع من خلال تجلياتها في التاريخ، إدراك التفاعل الحاصل بين القيم ومختلف السلوكيات، وقدرتها الفاعلة في إحداث تحولات كبرى في حركة التاريخ، وبهذا نمتلك قدرة على بناء الحاضر، وصناعة واستشراف المستقبل.
لذلك فإن دراسة التاريخ من خلال مقاربة المنظومات القيمية، قد نجح في فتح آفاق جديدة، جديرة بالبحث والدراسة، كما ساعد على فهم واستنباط الكثير من الحوادث التاريخية، وهذا ما عكسته تجليات مدرسة القيميات خلال تحفّيها بدراسة المنظومات، والمدونات، والخطابات، بل وفي اعتنائها بتحقيق عدد من النصوص المخطوطة، التي تمثل رافدا على قدر كبير من الأهمية لرصيد المدرسة من المدونات التراثية، مما يخدم بلا شك مشروع القيميات، وكذلك الاشتغال على الدائرة المنهجية، لما لذلك من دور في تقويم ومراجعة دور المدرسة ومستوى عطائها.
كل ذلك، والمشروع لا يزال في مرحلة مبكرة من عمره، ورغم كل ما واجهه من عوائق، وعقبات، وتشكيك في قيام مدرسة تاريخية جزائرية، إلا أنه أضحى في وسعه أن يسمع صوته، ويمضى في طريقه نحو تحقيق طموحاته.
وفي الأخير، نقول أن أي محاولة تغيير ما لم تضع في حسبانها الوعي بالسنن الكونية، وما للقيم من أثر مشهود في إحداث تحولات كبرى في مجرى التاريخ البشري والكوني، فلن يكتب لها النجاح الحقيقي.
Description
Keywords
التفسير الإسلامي للتاريخ، البناء القيمي، البعد الغيبي، تفسير التاريخ، التفسير الحضاري، التفسيرات الوضعية، الحركية، الحضارة، المدرسة القيمية، المنظومات الثاوية، المنظومة القيمية، الهيجلية، الماركسية، التوينبية.