الطرح الإبستيمولوجي في الفكر العربي المعاصر ، "زكي نجيب محمود" و"محمد عابد الجابري" أنموذجا
Loading...
Date
2020-09
Authors
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
كلية العلوم الانسانية والاجتماعية جامعة محمد بوضياف المسيلة
Abstract
الملخص:
لقد كان العالم الإسلامي في القرون الوسطى ذا شأن عظيم في جميع المجالات علما وأخلاقا وحضارة، فكانت بذلك الحضارة الإسلامية من أرقى الحضارات وكانت عواصمها مركزا للحكمة وللفنون والعلوم والتجارة، حيث كان الجميع يرحلون إليها من أجل الاقتباس منها والأخذ عنها، ولكن فيما بعد بدأت الكوارث والحروب تتوالى على العالم الإسلامي، فبدأ بالنكبات والوضعيات الصعبة الحادة التي أضعفته وترتب عنها أن تحول نوره إلى ظلمة وعلمه إلى جهل وثراؤه إلى فقر.
بيد أنه مع نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر بدأ الوطن العربي يتجاوز الظلم والجهل والتخلف ساعيا إلى تكوين عالم جديد، وهنا نجد مجموعة من المفكرين الذين كانوا على دراية بمجريات الأحداث في أوروبا، تمكنوا من تحليل واقعهم المتردي والانتباه إلى الفروق الموجودة بينهم وبين الدول الغربية، وسعوا إلى البحث عن أسباب تخلفهم من أجل إيجاد طرق للتخلص من التبعية والتخلف، ونتيجة لتأثرهم واطلاعهم على الفكر الغربي اقتبسوا العديد من الآليات والمفاهيم، والتي من بينها مفهوم الإبستيمولوجيا، حيث حاولوا تطبيقه في أطروحاتهم وفق مقتضيات البيئة الإسلامية، لقد كانت الإبستيمولوجيا عبارة عن خطاب نقدي في المعرفة، جعل من المفكرين العرب أصحاب المشاريع من أمثال:"زكي نجيب محمود"و"محمد عابد الجابري" يسقطونه على دراستهم خاصة تلك المتعلقة بالتراث.
الكلمات المفتاحية: الطرح الإبستيمولوجي، الفكر العربي المعاصر، زكي نجيب محمود، محمد عابد الجابري
قسمنا البحث إلى ثلاثة فصول وخاتمة، علاوة عن مقدمة تتصدر بحثنا، عرفنا فيها بالبحث وأظهرنا موضوعه والإشكالية التي نعتقد أنها مناسبة لمعالجته، وكذا دوافع اختيارنا له، ثم أهميته وأهدافه، وأشرنا أيضا إلى منهج الدراسة وخطة البحث وكذا العوائق التي واجهتنا أثناء إنجاز العمل، كما أشرنا إلى أهم المصادر والمراجع التي كانت عونا لنا في هذا البحث، حيث كانت فصول بحثنا كالآتي:
الفصل الأول: والذي تطرقنا فيه إلى ماهية الإبستيمولوجيا ومنزلتها في الفكر العربي المعاصر، وقد اشتمل على ثلاث مباحث؛ المبحث الأول: تناولنا فيه مقاربة مفاهيمية تاريخية للإبستيمولوجيا، بداية بمفهومها فأصولها ثم مجالها، والمبحث الثاني: تحدثنا فيه عن أهم تيارات الفكر العربي الحديث والمعاصر، بداية بالتيار الإصلاحي ثم العلماني فالوجودي، أما المبحث الثالث: فتناولنا فيه الخطاب الإبستيمولوجي في الفكر العربي المعاصر، بداية بالطرح الإبستيمولوجي للاتجاه العقلاني عند المفكرين المغاربة، ثم تناولنا النظرةالإبستيمية للتراث عند المفكر المصري "حسن حنفي"، ثم الإبستيمولوجيا البديل عند المفكر التونسي "أبو يعرب المرزوقي".
وفي الفصل الثاني تعرضنا فيه إلى مقاربة "زكي نجيب محمود"الإبستيمولوجيةلتجديد الفكر العربي، وقد اشتمل بدوره على ثلاثة مباحث، تناولنا في المبحث الأول الوضعية المنطقية، بداية بتعريفها، ثم أهم مبادئها، ثم أسباب تبني "زكي نجيب" لها، وتحدثنا في المبحث الثاني عن المعقول واللامعقول في تراثنا الإسلامي، أما المبحث الثالث فعرجنا فيه إلى الحديث عن إبستيمولوجيا اللغة والمنهج عند "زكي نجيب محمود"، حيث بينا فيه إبستيمولوجيا اللغة وإبستيمولوجيا المنهج عنده.
أما الفصل الثالث المعنون بمقاربة إبستيمولوجية للتراث والحداثة عند "الجابري"، فقد قسمناه إلى ثلاث مباحث، الأول تناولنا فيه التراث عند "الجابري"، بداية بتعريفه له، ثم موقفه من التراث، وأتبعنا ذلكبموقفه من القطيعة مع التراث، والثاني تطرقنا فيه إلى الحداثة عند "الجابري"، بداية بتعريفه للحداثة، ثم موقفه منها، وأخيرا القطيعة معها، أما المبحث الثالث فتطرقنا فيه إلى الإبستيمولوجية والعقلانية عند "الجابري".
ولأن أدبيات الدراسة تقتضي أن نقارن بين طرح "زكي نجيب" و"الجابري" فكان ولابد كعنصر أخير أن نتطرق إلى أوجه التشابه والاختلاف بين "زكي نجيب محمود" و"محمد عابد الجابري".
وقد أنهينا بحثنا بخاتمة حاولنا فيها الإجابة عن الإشكالية الأساسية والمشكلات.
لقد أفضى بنا البحث بعد التحليل إلى مجموعة من النتائج نذكر أهمها كالتالي:
- إن الإبستيمولوجيا هي عبارة عن عملية نقدية للمعرفة، وكمصطلح ظهرت في القرن العشرين ولكن هذا لا يمنع من وجود امتدادات لها، إذ نجدها تمتد إلى الفترة اليونانية ثم الفترات الأخرى وصولا إلى الفترة المعاصرة عند كل من زكي نجيب محمود ومحمد عابد الجابري.
- تبني "زكي نجيب محمود" للوضعية المنطقية التي ترى أن معرفة مختلف الظواهر تتم عن طريق إرجاعها إلى أسبابها الطبيعية.
- وهناك مبدأين للوضعية المنطقية هما: مبدأ التحقق ورفض الميتافيزيقا، حيث نجد زكي نجيب اهتم بمبدأ التحقق وأعطى له أهمية كبرى، إذ من خلاله نتعرف على القضية التي لها معنى وذلك عن طريق التحقق منها، كما رفض الميتافيزيقا من منطلق أنها لا ترتبط بالطبيعة وبالتالي لا يمكننا الحكم عليها لا بالصدق ولا بالكذب، وبالتالي فهي ليست قضية.
- كما أن التخلف الحاصل في المجتمعات العربية جعل زكي نجيب محمود يتبنى الوضعية المنطقية من أجل النهوض بهذه المجتمعات من خلال اهتمامها بالعلم.
- وقد ميز "زكي نجيب" بين الجانب العقلي واللاعقلي، وباعتبار الجانب اللاعقلي (العاطفي) يرتبط بالحياة الخاصة للأفراد فإننا نتخلى عنه في مقابل اهتمامنا بالجانب العقلي، ولذلك لابد لنا أن نأخذ من أفكار أسلافنا ما يفيدنا، أي مختلف الأمور التي عالجوها بعقولهم لا بعاطفتهم، وعلى هذا الأساس يعتبر من مؤيدي العقلانية.
- كما قام "زكي نجيب محمود" بربط اللغة بالطبيعة، ومن هذا المنطلق نقد اللغة العربية في بداياتها الأولى، لأنها كانت قريبة من الخيال والميتافيزيقا أكثر من اقترابها من الواقع، وعلى هذا الأساس دعا إلى ضرورة إحداث ثورة في مجال اللغة لأن اللغة ترتبط بالفكر، إذ كلما تطورت اللغة تطور الفكر وبالتالي يتطور المجتمع ويزدهر.
- وقد كان في بداية حياته رافضا للتراث ودعا إلى القطيعة معه، ولكن فيما بعد غير رأيه ودعا إلى ضرورة الأخذ منه وعدم التخلي عنه بل ضرورة تجديده وفق متطلبات العصر.
- بالإضافة إلى دعوته للاعتماد على المنهج التجريبي طيلة مسيرته الفكرية، وأنه هو سبب تقدم الدول الغربية لذلك لابد لنا من تطبيقه في جميع المجالات.
- أما "محمد عابد الجابري" فنجد بأنه كان أيضا من المفكرين الذين ساهموا في قراءة التراث والفكر العربي المعاصر، خصوصا لجانب الإبستيمولوجي النقدي.
- نظر "الجابري" إلى التراث نظرة مغايرة للقديم حيث كانوا يربطونه بما تركه المالك لأبنائه أي بكل ماله علاقة بالمال والحسب، بينما الجابري ربط التراث بالجوانب الفكرية والروحية.
-تقديم "الجابري" منهجا بديلا في قراءة التراث العربي يتمثل أولا في تحقيق الموضوعية أثناء التعامل مع التراث، وذلك بجعله معاصرا لنفسه، وثانيا المعقولية وذلك بجعل التراث معاصرا لنا ومنه ضرورة تجاوز الفهم التراثي للتراث إلى فهم حداثي للوصول إلى مستوى ما نسميه بالمعاصرة، وبالتالي إعادة فهمه بنظرة جديدة.
- كما ركز "الجابري" على مفهوم القطيعة الإبستيمولوجية كأحد المفاهيم الأساسية في الفكر المعاصر وكحقيقة واقعية، فلولا القطيعة لما كانت الاستمرارية للتخلص من الأوثان العالقة بالفكر السابق الذي يعرقل مسار البحث النقدي الإبستيمولوجي البناء.
- انطلق "الجابري" من التراث ليصل إلى الحداثة محاولا الأخذ من التراث ما يحتاجه عن طريق نقده بهدف تحقيق الحداثة، هذه الأخيرة التي هي متغيرة من مكان لآخر ومن زمان لآخر، وهذا ما يؤدي إلى اختلافها بين الدول الغربية والعربية.
- مشروع "الجابري"الإبستيمولوجي قائم على دعامة النقد حيث كان موجها إلى نقد العقل العربي في جميع مستوياته (معرفية، سياسية وأخلاقية) وذلك وفق تسلسل منهجي استحضر فيه البنيوية والتحليل التاريخي، حيث أولى اهتماما بالغا بالعقل العربي وعمل على نقده، فقد كان مشروعه الضخم "نقد العقل العربي" مادة غزيرة للتأمل ودراسة الأطر التي تشكلت فيها العقلية العربية والفكر العربي، حيث يرى أن العقل العربي كنتاج للثقافة العربية جزء أساسي وأولي في كل مشروع نهضة.
- كما نجد بأنه لجأ إلى النقد من أجل التخلص من الأفكار السابقة وتكوين أفكار جديدة.
- درس "الجابري" التراث بطريقة إبستيمولوجية كشفت له ثلاثة تصنيفات هي: البيانية، العرفانية والبرهانية.
- ربط المعقول الديني (البيان) بعلماء النحو والبلاغة والكلام...، ون هذا النظام المعرفي البياني سباقا في الظهور، يعني ظهر قبل النظامين الآخرين (العرفاني والبرهاني) بسبب إتقانهم للغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، وكانوا يعتمدون فيه على منهج قياس الغائب على الشاهد.
- ربط اللامعقول العقلي (العرفان) بالسحر والتنجيم والتصوف، واعتبره عبارة عن موروث قديم، فهو تراث شرقي دخيل على الثقافة العربية.
- ربط المعقول العقلي (البرهان) بالمنطق والفلسفة والرياضيات، وكانوا يعتمدون فيه على منهج الملاحظة الحسية والاستنتاج العقلي.
- وحسب "الجابري" فإن المعقول الديني والمعقول العقلي كلاهما يسعى إلى القضاء على اللامعقول العقلي.
- ولذلك نجد بأن مشروعه "نقد العقل العربي" يحتل مكانة متميزة وفضاء واسعا في الدراسات الفكرية والنقدية المعاصرة، ذلك لأنه شمل كل ما يخص الفكر العربي ، إذ يعود إليه الفضل في بعث قراءات جديدة للتراث، سواء كانت قراءات ناقدة أو مطروحة من منطلقات أخرى.
-نجد بأن نظرة كل من "زكي نجيب محمود" و"محمد عابد الجابري" للتراث كانت مختلفة في البداية، فزكي نجيب رفض التراث في البداية ثم عدل عن موقفه، بينما الجابري دعا إلى ضرورة الاهتمام بالتراث منذ البداية.
- نجد بأن كل منهما دعا إلى ضرورة العودة إلى التراث والقيام بنقده من أجل الوصول إلى قراءة جديدة.
- كما نجد أيضا بأنهما قالا بأن العلاقة بين اللفظ والمعنى هي علاقة اتصال وليست علاقة انفصال.
وعليه يكون كل من المفكر المصري "زكي نجيب محمود" والمفكر المغربي "محمد عابد الجابري" نموذجا في التواضع والتفلسف الناضج والتحليل المنطقي البناء، والابتعاد عن التعصب الدوغمائي والجدل العقيم، وسعة الأفق التي لازمتهما طيلة مشوارهما الفكري، وغزارة الفكر والكتابة، وممن سخرا فكرهما لإبراز مكانة الحضارة العربية الإسلامية، وإثارة مسألة الطرح الإبستيمولوجي في الفكر العربي المعاصر بمنهجية علمية واضحة، والوصول بالعقل العربي الإسلامي إلى اكتشاف إمكانياته وقدرته على توظيف سلطة النقد.
وفي الختام، فإن ما بذلناه من جهد في محاولة الإحاطة بموضوعنا "الطرح الإبستيمولوجي في الفكر العربي المعاصر، زكي نجيب محمود ومحمد عابد الجابري أنموذجا"، إلا أننا لا ندعي أننا أحطنا بجميع جوانب الموضوع، ولكنها محاولة جادة في سد بعض الثغرات، ونتمنى من الاجتهادات اللاحقة أن تقوم بإتمام الموضوع أو تعديله أو تجاوزه.
Description
Keywords
الطرح الإبستيمولوجي، الفكر العربي المعاصر، زكي نجيب محمود، محمد عابد الجابري