دور المجتمع المدني في الاصلاح السياسي في الجزائر من 2004-2012
No Thumbnail Available
Date
2019
Authors
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
جامعة محمد بوضياف المسيلة
Abstract
إن " المجتمع المدني " يـؤدي دورا رئيسـا في توجيه حاجات أفـراد المجتمع و تحقيق تطلعاتهم و بعث التنمية في جميع جوانبها ، فقد برهنت التطورات المعاصرة على تنوع و تعدد مجالات نشاط " المجتمع المدني " و على أهميته كآلية قوة و دفع جديدة على مستوى العمل التنموي السياسي إلى جانب الدولة، فهو يساهم بصورة واضحة في تجسيد الإصلاحات السياسية والرفع من مستوى مشاركة الفرد في السياسات العامة ، و القرار المتعلق بالشأن العام ، وتحقيق ديمقراطية المشاركة، ومراقبة السلطة السياسية و الإدارية و ترشيد الحكـم .
يكتسب هذا المفهوم أهميته من خلال الأدوار التي يؤديها خاصة في المجال السياسي، و في ظل موجة الإصلاحات السياسية التي عرفتها الجزائر و ما رافق ذلك من تغييرات جذرية في أسلوب الممارسة السياسية و آلياتها ، و ذلك بعد إقرار التعددية السياسية و التوجه نحو المزيد من الممارسة الديمقراطية . فقد دخل مفهوم المجتمع المدني لغة الاستعمال اليومية في الجزائـر ، فأصبح ينظر إليه في أشكاله التنظيمية المتنوعة بوصفه دافعا أساسيا في تحقيق الديمقراطية ببعديها السياسي و الاجتماعي.
و على هذا الأساس فقد إنطلقت الدراسة من تحديد الإطار المفاهيمي للمجتمع المدني والإصلاح السياسي ثم تحديد طبيعة العلاقة بين المجتمع المدني الجزائري والسلطة السياسية، وأخيرا مدى مساهمة المجتمع المدني الجزائري في عملية الإصلاح السياسي.
وقد توصلت الدراسة إلى ما يلي:
- إن مرحلة ما بعد الاستقلال وما طبعها من إيديولوجية شمولية لنظام الحكم والمجتمع شكلت فترة اضمحلال للمجتمع المدني لانعدام عنصر الإستقلالية عن الأطر التنظيمية للدولة والإرادة الحرة النابعة من الأفراد، جعلت إمكانية الحديث عن مجتمع مدني غير ممكنة في هذه المرحلة، حيث لم يسمح له بمراقبة الدولة التي تغلغلت في مختلف المجالات، إلا بما يمكن أن يكون امتدادا لسلطتها التي تقضي بوجوب خضوع المجتمع لها، وشكلت الظروف التي مرت بها الدولة الجزائرية )الداخلية منها والخارجية( مناخا مناسبا لعود ظهور المجتمع المدني بعد الإقرار بمبدأ التعددية والانفتاح السياسي من خلال دستور جديد ضَمن الحق القانوني لوجوده وبروز ملامح تشكل تدريجي لإنتشار ثقافة مدنية قائمة على أساس عودة السياسة إلى المجتمع وجعلها انعكاس للواقع الاجتماعي، أي تسهيل عملية التفاعل السياسي والإجتماعي لتغير الوضع القائم وفق أسس قائمة على المنافسة بين الفواعل الأساسية في المجتمع، وتقليص سيطرة الدولة كشرط ضروري لتحقيق الأهداف الاجتماعية وتوفير الحد الأدنى من الحقوق السياسية والإقتصادية في ظل المكتسبات الجديدة فيما تعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
- إختلفت مكانة المجتمع المدني في الجزائر من دستور إلى آخر، بدءا من دستور 1963إلى غاية التعديل الدستوري 2008 ، و هذا يعود إلى طبيعة إفرازات كل مرحلة و مستجداتها ، و كيفية تعامل المشرع مع كل مرحلة .
- خضوع المجتمع المدني للسلطة وتآكل قاعدته ، وبالتالي فهو غير قادر على تعديل ميزان القوه الذي يلغي دوره في التأثير والتغيير، ذلك أن المعادلة قائمة ) في الحالة الجزائرية(على أساس أن المجتمع المدني يكتسب شرعيته من السلطة السياسية التي عملت على الحيلولة دون ظهوره كقوة منافسة لها، على الرغم من وجود كم عدد هائل منها ذات أهداف مختلفة محلية ووطنية، إلا أن مساهمتها بقيت محدودة جدا نتيجة تأثيرات الوضع السياسي في بداية التحول جعلت منها مناسباتية وفي أحيان أخرى تابعة للأحزاب السياسية، وبذلك فالمجتمع المدني أصبح غير قادر على تعديل ميزان القوة ، الذي هو في صالح الدولة، لعدم تجذره في المجتمع، بفعل مجموعة من العوامل المرتبطة أساسا بالنخبة المسيطرة التي لم تقبل بفكرة التعددية، لذلك لم تمتاز منظمات المجتمع المدني بالندية والمنافسة للسلطة لغياب البيئة الإجتماعية والسياسية الحقيقية مقارنة بالمجتمعات الأخرى التي يشكل فيها المجتمع المدني سلطة في القرار السياسي والإجتماعي.
-ومن ناحية أخرى، فإن الإصلاحات السياسية الأخيرة في الجزائر تميزت بأنها من صنع الأمير، أي أنها ممنوحة بدلا من أن تكون محصلة نقاش وطني بين كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين من دون إقصاء، حيث تمت صياغتها على أسس أمنية، ولم ترافقها إجراءات إعادة الثقة بين المواطن والسلطة، وبالتالي سيبقى تطبيقها مرهونا بإرادة النظام.
- إن النظام الجزائري من خلال تبنيه لهذه الإصلاحات أراد توجيه رسالتين، الأولى إلى الخارج ومؤداها أن الجزائر لن تحيد عن نهج الإصلاح السياسي، وقد باركت العواصم الغربية هذه الخطوة، على إعتبار انها تؤيد الحفاظ على الوضع القائم بما يضمن لها مصالحها في هذا البلد. أما الثانية فموجهة إلى الرأي العام الجزائري، ومفادها أن الدولة لن تدخر جهدا في إصلاح النظام وإرساء دولة القانون ومحاربة الفساد.
- رغم التغيير الذي طرأ على اﻟﻤﺠتمع المدني بعد إقرار التعددية، في الجانب الكمي وفي زيادة هامش الحرية، غير أن هذا لا يعبر عن وجود مجتمع مدني حقيقي، فإقرار التعددية لم يكن نتيجة قناعة النظام الحاكم بمزايا المشاركة السياسية والحرية وفتح اﻟﻤﺠال أمام مؤسسات اﻟﻤﺠتمع المدني، بقدر ما عكس هروبا من أزمة صراع على مستوى التيارات والتوجهات والمصالح المختلفة، ولعل غياب الثقافة المدنية والقيم الديمقراطية ومحاولة تطويق الممارسات السياسية بقبضة من حديد واحتواء كل أنواع المشاركة دليل على صحة هذا الطرح. فالمحصلة النهائية عن الدور الفاعل للمجتمع المدني في الإصلاحات السياسية هو محدود جدا، فأغلبية أدوار هذه التنظيمات قد اتجهت نحو "التسكين" والتدخل اللاحق في الأزمات والقضايا، وهي أدوار لانقلل من أهميتها إلا أن مشاركته في عملية الإصلاحات السياسية الاخيرة كانت مجرد حضور شكلي من أجل إضفاء نوع من الرضى الشعبي حول مجموع القوانين المنبثقة عن عملية الإصلاح السياسي.
- إن الإعتماد على المقاربة القانونية في الإصلاحات السياسية، في ظل مشاركة صورية للأطراف السياسية الفاعلة والتنظيمات المدنية ذات الشأن، يضعف من محتوى الإصلاحات ، ويحد من فعالية تأثيرها على مستوى الممارسة، بل يؤدي إلى تعميق اللاثقة بين المجتمع المدني والنظام الحاكم، علاوة على تكريس لامبالاة الرأي العام بالشأن السياسي ككل، على هذا الأساس لابد من ان تكون الإصلاحات وفق آلية يتم فيها مشاركة كل الفاعلين السياسيين والمدنيين حتى يتم الوصول إلى إجماع حول ميكانيزمات اللعبة السياسية وإدارة الشأن العام.
- إن المجتمع المدني ينطوي على معيقات تحد من فاعليته في تحقيق التنمية السياسية ، و التي تتـحدد عموما في ثلاثة أبعاد وهـي: البعد القانوني، والبعد السياسي، والبعد الثقافي الاجتماعي. حيث تبرز العوائق القانونية في القوانين والتشريعات - التي تحكم و تحدد نشاط منظمات المجتمع المدني و تنظم علاقتها بالسلطة - ومتطلبات تطبيقها في الواقع، أما العوائق السياسية فتتمثل في الممارسة السـياسية غير الديمقراطية، والعـوائق الاجتماعية – الثقافية والتي تتمثل في ضعف وهشاشة البنية الثقافية ومنظومة القيم والمعايير السائدة، والتي يمكن وصفها بأنها معطلة ومثبطة لعملية الإصلاح السياسي.
و عموما تم استنتاج ضعف دور المجتمع المدني ( بنيويا و وظيفيا ) في الإصلاح السياسي بالجـزائر، وذلك بسبب نزوع السلطة نحو الهيمنة على تنظيمات المجتمع المدني ، وتدخلها المستمر في شؤونها من خلال فرض الكثير من القيود السياسية والأمنية والإدارية والمالية عليها، مما يحد من فاعليتها واستقلاليتها ويجعلها مجرد امتدادات للمؤسسات الرسمية في العديد من الحالات .
من خلال نتائج هذه الدراسة وعملا على ضمان مساهمة ناجـعة لمؤسسات المجتمع المـدني في مثل هذه المساعي السياسية التنموية، يمـكن إدراج بعض المقـترحات التي من شأنها تلـمس طريق النهوض بها، قد تسمح بمشـاركة أكبر لهذه المؤسسات في عملية الإصلاح السياسي، وذلك اعتبارا للإمكانات والمـهارات التي توفرها مثل هذه المنظمات وما تنطوي عليه من قيـم و مـبادئ، وذلك عـلى النحو التـالي :
- إعادة النظر في طبيعة العلاقة بين مؤسسات المجتمع المدني والدولة والعمل على إنماءها وتطويرها على أسس الشراكة من خلال تطوير التشريعات القائمة بما ينسجم والظروف الحالية التي تمكنها من أخذ دوره الحقيقي في مرحلة البناء الديمقراطي، ذلك أن معظم المنظمات المدنية لا تركز في عملها على المشروعات التنموية بما يعني غياب المدخل القانوني واهتمامها بالعمل الخيري، واتسمت طيلة فترات تكوينها بالطابع النخبوي الذي قلل من قدرتها على التواصل مع القاعد الاجتماعية ومنه إلى جزئية التأثير خاصة في ظل غياب أهمية تغيير القيادة .
- البحث عن حلول جديدة في مسالة التمويل وتعزيز الثقافة الطوعية في القواعد الاجتماعية، والعمل
على تطوير آليات الحركة والاتجاه نحو خلق صيغة جديدة توفر المشاركة في صنع السياسات العامة وتستند لخدمة المجتمع من خلال خدمة مصالحها، من خلال تنظيم ندوات عمل للتأثير في السياسات العامة.
- القدرة على النقد الذاتي ومعالجة التوتر مع السلطة من خلال إبراز قدرتها على لعب دور الشراكة بدل الصراع بما ينسجم والقيم الديمقراطية لتجاوز حالة الضعف التي تحد من انطلاقته.
- تفعيل المشاركة في مختلف المجالات لضمان تسيير مصالح المجتمع، بما يمكنها من خلق نهجا يتجاوز المعارضة السلبية بالتركيز على الرأي العام والتأثير فيه في مختلف المجالات التي تعكس تطلعاته، على أساس أن المجتمع المدني هو المساحة الشرعية التي تمكن للأفراد من المشاركة بشكل متزايد إلى إزالة العقبات التنظيمية التي تكبح نشاطه.
- إلغاء القيود المفروضة لضمان استقلاليته والعمل على تحقيق وضع قانوني يسمح بتغيير السياسات ومتابعة أداء الحكومة، والقطاع الخاص، وتطبيق المساءلة وهي محاولة تعبر في أساسها عن تكريس الممارسة السياسية في مختلف البنى المؤسسية للمجتمع.
Description
Keywords
الجزائر/ الاصلاح / المدني/السياسة