بلقاسم نــاصر كريم2022-12-152022-12-152022https://dspace.univ-msila.dz/handle/123456789/35228من خلال ما تقدّم يمكننا اعتبار أن الإدارة المحلّيّة آلية لازدهار المجتمعات المحلّيّة من خلال ترتيب و إشراك المواطنين في اتّخاذ القرارات في شؤون التّنمية الاقتصاديّة ، الاجتماعيّة والثّقافيّة على المستوى المحلّي الوطني ، و الجزائر من خلال إنشائها للجماعات المحلّيّة تسعى لتحقيق البرامج والسّياسات المنتهجة في سبيل النّهوض بالتّنمية المحلّيّة في مسارها التّنمويّ ، لكنّ الوضعيّة الماليّة المحلّيّة و بالرّغم من تعدّد الموارد الذّاتيّة والخارجيّة في الجزائر لم ترق إلى المستوى المطلوب في ظلّ قصور الموارد التي تغطي الأعباء المتزايدة خاصّة وأنّ أغلب المصادر التّمويليّة للجماعات المحلّيّة مركّبة من الموارد الجبائيّة والتي معظمها ذات مردود ضعيف بالإضافة إلى تفشّي ظاهرة التّهرّب الضّريبي و الاقتصاد غير الرّسمي في الجزائر، الشيء الذي يقلّص من إيرادات ميزانيات البلديّات ، كما أن عدم عدالة توزيع الحصيلة الجبائيّة بين الدّولة والجماعات المحلّية تؤثّر سلبا على ميزانيّة الجماعات المحلّية مما يستدعي تدخّل الدّولة لتغطية العجز المسجّل على مستوى البلديّات وتمويل التّنمية المحليّة ، بالإضافة إلى اللّجوء إلى مصادر تمويليّة خارجيّة كالقروض للتّخفيف من حدّة قصور الموارد التّمويليّة. على أساس أن الجماعات المحلية تعتبر الحجر الزاوية لتطبيق اللامركزيةالإدارية و مشاركةالمواطنين في تسيير شؤونهم المحلية و ما يستلزم ذلك من توفير كل الإمكانياتاللازمة سواء كانتإدارية أو قانونية أو بشرية أو مالية لتقوم هذه الجماعات بتقديم الخدمات الأساسية و الضرورية ذاتنوعية للمواطن و تحسين شروط حياته اليومية. هذه الوظيفة كما قلنا استلزمإعطاء الجماعات المحلية نوع من الاستقلالية عن السلطة المركزية الأمرالذي يمكنها من التمتع من سلطات و اختصاصات متميزة عن السلطة المركزية وهذا للقيام بالمهامالمنوطة بها على وجه الخصوص، إلا أن هذه الاختصاصات و المهام تستلزم توفير موارد مالية هامةخاصة بها تخول لها القيام بمهامها بمنأى عن أي عوائق. هذا هو الجانب النظري لوجود هذه الجماعات المحلية، لكن الواقع يعكس غير ذلك، بحيث أن معظمالجماعات المحلية البلديات خاصة تعاني من عجز كبير و دائم أثر بشكل كبير عن أداء مهامهاالأساسيةالأمر الذي أثر بشكل كبير على عالقة المواطن المحلي بهذه الهيئات كونها الخلية الأولى لاتصال المواطن بالسلطة التي تحكمه، فأصبح يعبر عن تذمره و اشمئزازه من حكومته عبر هذهالجماعات، حيث أن كثيرا ما تتعرض هذه الهيئات لغلق مقراتها احتجاجا عن سوء التسيير، وفي بعضالأحيان قد يصل الأمر إلى حد تخريبها وحرقها خاصة البلديات. وبعد التمعن و البحث في هذا الواقع يظهر للعيان أسبابا خلفت كل هذه المشاكل التي تعاني منهاالجماعات المحلية في بلادنا، فمنها ما هو راجع إلى هذه الجماعات في حد ذاتها، و منها ما هو راجعإلى المشرع الذي أعاقها عن أداء مهامها على أكمل وجه من خلال الترسانة القانونية التي تحكمهاوتضييق الخناق عليها، وهناك أسبابا راجعة إلى المواطن نفسه، و هناك أسبابا اقتصادية وسياسيةخاصة بعد تراجع أسعار البترول و العشرية السوداء التي مرت بها الجزائر و التي أدت إلى نزوحسكان الأرياف نحو المدن مما أدى إلى ضغط كبير على البلديات و المدن الحضرية. إن العجز المالي للبلديات كما قلنا تظافرت فيه جملة من الأسباب بداية من الأسباب التنظيمية، حيثأن التقسيم الإداري لسنة 1984 و الذي كان تقسيما عشوائيا و لم يكن مدروسا بدقة و إن كان هدفهالرئيسي هو تقريب الإدارة من المواطن، إلا أن هذا التقسيم كما قلنا لم يكن على أسس صحيحة وعلمية،حيث أفرز هذا الأخير عددا كبيرا البلديات العاجزة و التي ليس لها أي دخل كون هذه البلديات هي مناطق ريفية تنعدم فيها الحياة التجارية و الاقتصادية، كما أن هذا التقسيم تسبب فيتشتيت العائدات الضريبية التي كانت تستفيد منه البلديات قبل التقسيم، بالإضافة ما استلزم هذا التقسيممن توظيفات جديدة و ما ترتب عنه من صرف مبالغ ضخمة على موظفيها. إن كان سبب عجز البلديات يكمن في التقسيم الإداري كان يكمن معالجة هذا الأمر من خلال البحثعن صيغة جديدة لتنظيمها من خلال تجميع البلديات الصغيرة و العاجزة مع البلدية الأم و الأكبر وهوما سارت عليه معظم الدول، لكن الأمر أكبر من ذلك و يتعداه إلى أمور اكثر من ذلك، و لعل أهمهاالنظام الضريبي الموحد الذي يطبق على جميع ربوع الوطن و إن كان هذا النظام الضريبي يقوم أساساعلى الأنشطة التجارية و الاقتصادية كون أن معظم الضرائب و الرسوم ذات المردودية العالية والتيتستفيد منها الجماعات المحلية تقوم على أساس هذه الأنشطة و هو ما حرم البلديات الريفية و المناطقالصحراوية من عائدات هذه الضرائب لانعدام هذه الأنشطة على إقليمها، كما أن توزيع هذه الضرائبغير العادل أثر سلبا على موارد الجماعات المحلية و هذا بسبب هيمنة الدولة على معظم هذهالضرائب والرسوم، هذا بالإضافة إلى عدم إشراك الجماعات المحلية في التحصيل الضريبي أو تحديدالوعاء الضريبي و انحصاره في يد السلطة المركزية فقط أثر سلبا هو الآخر على الموارد المالية لهذهالجماعات. إن هذه العوامل التي تسببت في العجز المالي للجماعات المحلية، لا يخلي من مسؤولية هذه الأخيرةإلى ما وصلت إليه، حيث لها جزء من المسؤولية في ذلك من خلال الممارسات التي يقوم بها المنتخبونالمسؤولون عليها، حيث كثيرا ما يتسبب هؤلاء في ضياع الموارد المالية لهذه الجماعات بقصد أو بغيرقصد. إن المنتخبين المحليين و بسبب عدم درايتهم الكافية بفنون الإدارة و التسيير الناجع يلحقون أذى كبيرخاصة بالبلديات كصرف أموال طائلة على مشاريع ليس لها أي جدوى اقتصادية و لا تخدم المواطن لا من قريب أو بعيد، حيث أصبح عرفا لدى الأميار و الجماعات المحلية بصفة عامة تغيير الأرصفةو تغيير أعمدة الإنارة العمومية في كل عهدة في حين نجد أحياء لا تتوفر على إنارة عمومية، ونجد تارةأخرى أحياء ليس بها طرق معبدة تعيش في الأوحال خلال فصل الشتاء. كما قد يتسبب المنتخبين المحليين في هدر المال العام نتيجة أطماع شخصية كاختلاسالأموالالعمومية والمحاباة و الرشاوي و تقديم امتيازات غير مبررة و غير قانونية و هذا على حسابالمصلحة العامة، حيث أصبحت الجماعات المحلية على رأس القطاعات التي هي طرف في القضاياالمعروضة أمام العدالة الجزائرية خاصة البلديات كما سبق الذكر. هذه الأمور ساهم فيها بقسط كبير النظام الانتخابي الذي تسير عليه هذه الجماعات، حيث أن كلمسؤول يبقى عهدة انتخابية واحدة أو اثنتين كأقصى تقدير ليخلفه مسؤول جديد و هذا لا يخدمالاستمرارية و الديمومة في سير المشاريع التنموية، بالإضافة إلى عدم اشتراط مستوى تعليميللترشح لعضوية المجالس الشعبية مما ساهم في وصول نواب ليس لديهم مستوى كافي لإدارة بلديةبحجمها الجغرافي و السكاني. كل هذه الأسباب السابق ذكرها و التي تسببت في العجز المالي للجماعات المحلية خاصة البلديات،يجب علينا أن نحاول إيجاد بعض الحلول التي من شانها ليس القضاء على هذا العجز و إنما التقليلمن حدته إن أمكن، إذ بداية يجب إعادة النظر في التقسيم الإداري الحالي من خلال تقليص عددالبلديات و هذا من خلال تجميعها و القضاء على البلديات التي ليس لها أي نشاط يدر عليهامداخيل و العمل بالملحقات الإدارية التي تسهر على تقديم الخدمات الإدارية للمواطن في المناطقالنائية. كما يجب كذلك إعادة النظر في النظام الضريبي و تكييفه مع الخصائص الجغرافية لكل جماعة محليةوإشراك هذه الأخيرة في عملية التحصيل و تحديد الوعاء الضريبي و التخلي عن جزء من هذهالضرائب لصالح هذه الجماعات حتى تكون بمقدورها مواجهة الكم الهائل من المسؤوليات و المهامالملقاة على عاتقها، بالإضافة إلى مراجعة الضرائب التي من شأنها إعطاء دفعة لميزانية هذهالجماعات. أما فيما يخص الجماعات في حد ذاتها، فيجب عليها خاصة في هذا الظرف العصيب الذي تمر بهالجزائر جراء تدني أسعار البترول، أن لا تعتمد على المساعدات الممنوحة لها من طرف السلطةالمركزية و أن تبحث عن مصادر تمويل جديدة من خلال تثمين مواردها المتأتية عن أملاكها العقاريةوالمنقولة والتي توجد حاليا في حالة كارثية جراء الإهمال و اللامبالاة و إعادة بعث بعض الرسومالتي تغافلت عليها هذه الجماعات كرسوم الوقوف واستغلالالأرصفة و رسوم الذبحو عائدات إيجارأملاكها. كما يجب كذلك الاهتمام أكثر بالتكوين للمنتخبين المحليين حتى نرفع من قدراتهم في مجال الإدارة والتسييروالميزانية و تحسين الأجور و تسيير حياتهم المهنية و حمايتهم من الإغراءات والمساومات التي تجرهم إلى الانحراف عن مهمتهم النبيلة و الانصياع للحسابات الضيقة و المصالحالضيقة.other-اللامركزية- تمويـل الجماعات المحلية -ي الجزائر -بعد الإستقلالواقع اللامركزية و تمويـل الجماعات المحلية في الجزائر بعد الإستقلالThesis