صليحة, عروسي2017-05-222017-05-222017-04-06http://dspace.univ-msila.dz:8080//xmlui/handle/123456789/767تمتاز العقلانية النقدية الكانطية بعبقرية فريدة من نوعها حيث تستطيع أن تجمع بين فعل المعرفة والحقيقة الموضوعية من جهة وبين فعل الحرية والواجب من جهة أخرى دون تناقض، واستطاع كانط بفعل حسه الفلسفي والأخلاقي العميق وبنزعته النقدية المتعالية أن يجمع بين هذين الطريقين بشكل يخدم الفعل الأخلاقي والإنسانية عامة. وأهم ما يميز الفكر الكانطي هو أنه وظف عقلانيته في التأسيس لفلسفته الأخلاقية أي في تأسيس الواجب الأخلاقي، حيث بين كانط أن الأخلاق سلوك واقعي عملي لكنها رغم ذلك مبادئ أولية قبلية قائمة في العقل، لذلك كان العقل هو المؤسس الفعلي للأخلاق لكن التجربة هي الآلية التي تترجمه، فيتحول بذلك العقل إلى ضمير يوجه صاحبه على أرض الواقع. وحتى يكون الواجب الأخلاقي ثابت يجب أن ينزه الواجب عن كل غاية، وأن قانون الإرادة الخيرة أي هذا الصوت الباطن الذي ينبعث من أعماق وجودنا يجعل أداء الواجب من أجل الواجب فقط، الواجب الذي لا يطلب غاية أخرى غير ذاته. والقانون الأخلاقي هو القانون الذي يقول:"إن الفاعل الأخلاقي يتصرف أخلاقيا إذا سيطر العقل على كل ميوله". فالواجب آمر مطلق يربط بين الإرادة الخيرة وبين القانون الأخلاقي الكلي، والشرط الأول لتحقيق القانون الأخلاقي هو الحرية، فأول الشروط الممكنة ليصبح المثل الأخلاقي حقيقة واقعية هو الحرية، والتي تعني الاستقلال الذاتي للإرادة الخيرة، فهي تلك الحالة التي يتصف بها الفاعل الأخلاقي عندما يضع لنفسه قاعدة فعله. لقد بنى كانط نموذجه الأخلاقي على أساس فلسفته النقدية التي ميزت في الإنسان، جانبين، جانب طبيعي محسوس خاضع للضرورة وجانب أخلاقي معقول قائم على أساس الحرية، وأعطت الأولوية للجانب العملي على حساب الجانب النظري، وذلك لأن الإنسان أسمى من أن ينحصر في قوانين الطبيعة بل هو عضو مشرع في مملكة الغايات. أما التناقض الموجود بين عالم الطبيعة (الضرورة) وعالم الأخلاق (الحرية) أي بين العقل النظري والعقل العملي يبقى موجودا إذا لم نبحث عن وسيلة للتقريب بينهما، لكن كانط استطاع أن يجد هذه الوسيلة والمتمثلة في الحكم الجمالي والغائي، ففلسفة الجمال والغائية ما هي إلا مجرد فلسفة أخلاقية توسع من نطاق مملكة الغايات وتعلي من شأن العقل العملي، فالحكم الغائي هو الوحيد الذي يسمح لنا بأن نوحد بين مملكة الطبيعة ومملكة الغايات في نسق واحد متكامل. إن الأخلاق عند كانط تقوم على أساس "مفهوم الإنسان" فهي ليست في حاجة إلى الدين بل تكفي نفسها بنفسها بفضل "العقل العملي المحض" وبالتالي فهي تقوم على "مبدأ استقلال الإرادة" أو "الحرية الإنسانية" والسبب الذي أدى كانط إلى رفض تأسيس الأخلاق على الدين رغم أن الدين لا يمكن أن يقوم إلا على الأخلاق، هو أنه من المستحيل أن يخضع القانون الأخلاقي لأي سلطة خارجية تعدو حدود الإرادة البشرية، فهو يرفض كل نزعة فلسفية تقيم الأخلاق على السلطة الإلهية. كما أن عبادة الله هي العمل بالقانون الأخلاقي ليس قسرا بل عبادة حرة نابعة من الكيان الداخلي للإنسان عن طريق أدائه لواجباته. ومسألة السلام والخير في العالم تتوقف على مجهود النفس البشرية وعلى وعيها الباطني بواجباتها وبحريتها وعدم خضوعها لأي سلطة خارجية فهي تخضع فقط لسلطة النفس والإلزام الذاتي لها. والتشريع الخارجي للواجب هو الذي يضبط ضبطا صارما هذه الكرامة ويحفظ حرية الإنسان في تلاقيها بحرية الآخر داخل المجتمع فهذا غير كاف إذا لم يستند إلى التشريع الباطني للقانون الأخلاقي عن طريق الفضيلة،التي تعطينا معنى الحرية في وضعها الباطني عن طريق معرفة الواجبات الأخلاقية التي تصدر مباشرة من القانون الأقصى للخلقية. ولقد كان للمشروع الأخلاقي الكوني الكانطي حضور أو إمتداد في الفكر الغربي المعاصر نورد كنموذج نظريتين هما: النظرية الأولى هي نظرية إتيقا المناقشة ل يورغن هابرماس التي أكدت على ضرورة إعادة بناء العقل العملي، فتوصل هابرماس إلى ضرورة تعديل صياغة الأمر المطلق الكانطي، وذلك كالتالي: بدلا من فرض على كل الآخرين قاعدة أريد أن تكون قانونا كونيا، يجب علي إخضاع قاعدتي لكل الآخرين من أجل فحص إدعائها للكونية بالمناقشة. أما النظرية الثانية فهي: "نظرية العدالة كإنصاف" ل جون رولز الذي يشاطر هابرماس في نقد النزعة النفعية وفي الانتماء إلى التقليد الكانطي وإعادة بناء العقل العملي. ولقد أبدى جون رولز في نظريته المسماة بالنظرية الليبرالية الديونتولوجية أو الواجباتية قناعته بأولية العدالة على الخير، معتبرا العدالة بأنها الفضيلة الأولى للمؤسسات الاجتماعية، فأسبقية العادل على الخير عند رولز تشبه أسبقية الذات في علاقتها مع غاياتها عند كانط حيث الذات متميزة ومنفصلة عن القيم والغايات لنفس الذات. والنقطة الفاصلة جذريا بين رولز وكانط تكمن في كون رولز رفض أن تكون الأنا ذاتا ترنسندنتالية أو نومين يفتقر إلى كل أساس تجريبي. وبدلا من الذات الترنسندنتالية يلجأ إلى الوضع الأصلي حيث يتم تقرير مبادئ العدالة.otherمشروع كانط النقدي -جوهر الأخلاق عند كانططبيعة الأخلاق في فلسفة كانط النقديةThesis