الزمن السيكولوجي عند هنري برغسون

Loading...
Thumbnail Image

Date

2017-05-10

Journal Title

Journal ISSN

Volume Title

Publisher

كلية العلوم الانسانية و الاجتماعية - جامعة محمد بوضياف المسيلة

Abstract

إن القرن العشرين (20) قد شهد ظهور عدة تيارات فلسفية التي حملت على عاتقها لواء التمرد والنقد للتيارات السابقة عنها (النزعة المادية)، فهذه التيارات سعت لأن تقف في طريق كل ما من شأنه أن يؤدي إلى تشيئ الإنسان، ومن بينها نجد التيار الروحي (فلسفة الحياة)، الذي جاء كثورة حتمية إعادة الاعتبار للذات الإنسانية بعد أن فقدت في ظل المادية، والذي من أبر ممثليه الفلسفة البرغسونية التي استطاعت أن تنقل الإنسان من ضيق الآلة وتخلصه من سيطرتها، فكانت فلسفة تمجد الروح، وتهتم بقضايا الإنسان بصفة كلية. ونجد فيظل هذه الفلسفة أن الفيلسوف الفرنسي "هنري برغسون" يجعل من فكرة الزمان جوهرا أساسيا في قيام هذه الفلسفة، فأي نظرية يطرحها إلا وترتبط بهذه الفكرة فهو يعطيها نظرة مغايرة تماما تختلف عما قدمها الفلاسفة الآخرين سواء في العصر اليوناني أو الوسيط أو الحديث أو المعاصر، إذ غاص في حقيقتها من حيث تغلغلها في الوجود ككل وعلاقتها بالذات الإنسانية خاصة، وهو ما برز في طرحه للعديد من المسائل المتعلقة بالإنسان باعتباره كائنا متزمنا له ماض وحاضر ومستقبل، وعالجها ضمن هذا المفهوم "كنظرية الحرية، والذاكرة، الدين والأخلاق". وعلى أساس هذا نجد أن فكرة الزمان هي فكرة متغلغلة في الوجود ككل، نظرا لأن الوجود محكوم بأطر الزمان الثلاث (الماضي، الحاضر، المستقبل). وما تقدمه الدراسات تؤكد أن هذه الفكرة لم تظهر مع برغسون فقط بل لها امتدادات سابقة، تبدأ من العصر اليوناني، إذ تكلم عليها "هيرا قليطس" (فيلسوف التغير) الذي أكد على فكرة السيرورة، وأن العالم خاضع لمبدأ التغير (النار)، وهو ما أكد عليه عندما قال: "لا أحد يستحم في النهر نفسه مرتين"، لماذا لا يمكن الاستحمام في النهر مرتين؟ لأن مياه النهر لا تتوقف عن الجريان أولا، ثانيا نحن في حد ذاتنا نهر دائم الجريان، لا يعرف الانقطاع (الشعور) مما يبرز لنا هنا صفة الديمومة، ديمومة شعورنا. وبالتالي فالزمن ليس مفهوما أجوفا أو تصورا مجردا بل هو قدرة على التغير تساير الكون ومع برغسون نجد الفكرة تتحدد في بعدها النفسي أو السيكولوجي على حد تعبيره، مؤكدا على أن هذا الزمن هو يدخل في مقولة الكيف لا الكم، أي أن هذا الزمن لا يمكن قياسه مقارنة بالزمن الرياضي، كما أن لحظاته تتجدد باستمرار، وهو مستقل عن المكان، وهو ما اصطلح عليه بــ (الديمومة). التي هي في حقيقتها "اتصال الغير موجود وهو الماضي، بالموجود وهو الحاضر" هذه الأخيرة على حد تعبيره هي متجذرة في ذاتنا، ما دمنا نحن من نمتلك الشعور، فنحن المدركون والمستشعرون لها ومادام وعينا في حالة جريان دائم، فإن الحال نفسه بالنسبة لحالاتنا النفسية فهي مترابطة وفي حالة تفاعل مستمر مع بعضها، وعلى هذا الأساس فإن الديمومة هي زمان متصل غير قابل للانقسام وأبعاده التي هي (الماضي، الحاضر، المستقبل)، ليست لحظات أو أجزاء منفصلة بل هي كل متكامل يتدفق كل منها في الآخر، وبالتالي فالزمن السيكولوجي "هو تجربة معاشة أساسها الشعور والحدس، على اعتبار أن الحياة النفسية تتسم بجملة من التغيرات والذات التي لا تتغير حالاتها، لا تكتسب صفة الديمومة". إذن فالحياة النفسية هي وحدها التي تشهد التتابع (الانفعالات، الرغبات) هذا التتابع الذي يكون دوما في مجرى متدفق ومستمر لا يعرف النهاية. وبهذا يمكن القول "أن الديمومة هي الشعور الملازم للذات الإنسانية" هذا الشعور الذي يتعذر على العقل الإنساني ترجمته، بمعنى أنه من المستحيل تقدير النسبة في الحالات النفسية (الحزن، الفرح)، فهي كيفيات ليس لها صلة بالعدد أو الكم، بل هي الحياة عينها في طور تقدمها من البداية إلى النهاية، وسيلة إدراكها الحدس وليس العقل. ويربط هذه الفكرة (الزمان) بفكرة الحرية معتبرا أن الحرية هي في حقيقتها هي "فعل تلقائي ينبع فجأة من الذات". وتتضح هذه الفكرة من خلال تكمله عن استرجاع الماضي، إذ نحن أحرار في استرجاع الماضي، مما يدل على أن الإنسان قادر على تجاوز واقعه المعاش، وعملية الاسترجاع هذه تتم بحرية وهي حالة دائمة على أساس أن الوعي (الشعور)، لا يعرف الانقطاع بل هو في حالة ديمومة. إذن الحرية هي الديمومة، وهي الزمان الذي يجعلنا نتأرجح بين الماضي والحاضر والمستقبل إضافة إلى ربطه لفكرة الذاكرة بمفهوم الزمان من حيث القول بأن الذاكرة تحمل الطابع النفسي وليس المادي، مما يؤكد لنا على أن الذاكرة هي عين الديمومة على أساس أن الزمان هو حامل لوجود الإنسان بأبعاده، مما يعني أن حقيقة هذه الذاكرة تكمن في أنها تحمل الطابع النفسي المحض، ما دامت حقيقة هذه الديمومة واقعة مباشرة أساسها الشعور. لذا فالذاكرة هي بمثابة فعل حيوي يود الإنسان القيام به في الوقت الحاضر وفي ربط كل عنصر، وبما سبقه ليحقق تكيفه مع العالم ،وهو ما أكده عندما قال: "إن الديمومة الداخلية هي الحياة المستمرة لذاكرة تبسط الماضي في غمام الحاضر". وفي ظل هذا الطموح يتأكد لنا أن الذاكرة ليست مادة جامدة بل هي كيفيات شعورية تحمل تاريخا بانفعالاته ومشاعره، كما أننا نجد أن الروح بعكس الدماغ إذ نجدها تحمل ذكرى الإنسان، لكنها لا تتلف بل هي خالدة، إذ يمكن أن يستعيد شخص ما ذاكرته نتيجة انفعال نفسي، وليس أدل من هذا مما قال به أنصار التحليل النفسي، إذ أن الذاكرة ليست إدراكا حسيا بل هي كيفيات شعورية تتسم بالحرية ونظروا إليها نظرة لا شعورية، إذ أن أغلب مدركاتنا تنزل إلى عمق الذاكرة حيث تستقها وتبقى تمارس نشاطها اللاشعوري، ونظرية الكبت خير دليل. فالعقل يمكنه القيام بالتحليل، وكشف جوهر الأشياء، وتحويها إلى قوانين لكنه يعجز عن إدراك الحركة الدائمة ،أما إدراك الوجود الحيوي الزماني فهو من اختصاص الحدس ،أما بالنسبة لعلاقة الزمان بنظرية الأخلاق، فنجد برغسون يستخدم مصطلحين (المنغلق – المنفتح). فالأخلاق المفتوحة تنحصر او تعبر عنها استجابة الفرد لدفعة الحياة الصاعدة وهي التطور إذ يسمو صاحبها إلى تحقيق الصالح العام، بطلها الرجل الصوفي، الذي يخاطب العواطف ويعرض المثل العليا، التي يقتدي بها، وهي ذات طابع عالمي، على عكس الأخلاق المغلقة المتوقفة على الغريزة وذات الطابع الضيق، والقائمة على الإلزام الاجتماعي تنظر إلى صالح الجماعة فقط، ذات الطابع الاجتماعي. و"التجربة الصوفية المتغلغلة في روح البطل إنما تدل على أننا نشارك مشاركة لا شعورية في موجود أعظم وهو الله، أي أنها تفاعل داخلي مع الله، تفاعل روحي بدون وساطة، إذن هي شعور قوي، تبرز فيه صفة الديمومة، باعتبارها طاقة خلاقة ،وهي جوهر الاخلاق المفتوحة " وعلى أساس هذه التجربة يقر بوجود دين حركي أساسه الوثبة الحيوية التي هي الله، الذي يمثل الديمومة الخلاقة، فهذا الدين ناتج عن قوة مولده وهي الوجدان، بدرجة أولى المتجلى في هذه الأخيرة ،(التجربة الصوفية) التي هي الانفعال المؤدي إلى التغيير بطلها الرجل الصوفي الذي يدعو إلى الاتحاد بالذات الإلهية ،وهو دين متطور في أساسه، على عكس الدين السكوني الحامل لشذرات الغريزة. إلا أنه لا يكتفي بربط هذه الفكرة ببعض المفاهيم فقط بل يتعدى إلى ربطها بالحياة ككل مؤكدا على أن الحياة في سيل متدفق لا يمكن للحساب الرياضي أن يحيط به، معتبرا أن كل ما في الحياة يتسم بروح التطور، التي تتخلله بشكل كامن سواء جامدا أو حيا.

Description

Keywords

الزمان، الأبد، الآن، الامتداد، الذات، الذاكرة، الحرية، الرؤية، الروح، الإحساس، الحدس، العقل، الشعور، السرمد، الحساسية، المتجانس، اللامتجانس، الدين المفتوح، الدين المنغلق، الصيرورة، الشدة، الكم، الكيف، الغريزة، السيكولوجيا، المادة، الروح، الانفعال، الحركة، الوثبة الحيوية، الوعي، الوجدان.

Citation

Collections