Abstract:
تناولت الأطروحة دراسة تحليلية للاقتصاد الخفي باعتباره أحد الظواهر المنتشرة في جميع دول العالم بلا استثناء حيث يميل حجمه إلى الارتفاع في الدول النامية والفقيرة وإلى الانخفاض في الدول المتقدمة ذات الدخل المرتفع، وهو عبارة عن جميع الأنشطة الاقتصادية التي لا تخضع لرقابة وقوانين الدولة وبالتالي فهي تتهرب من القيود واللوائح الحكومية وتتهرب من دفع المستحقات المالية الخاصة بها كالضرائب والرسوم، وهناك نوعين رئيسيين من هذه الأنشطة وهي الأنشطة المشروعة غير المسجلة مثل العمل المنزلي والباعة المتجولين والأسواق الفوضوية وتجار الأرصفة إلى غير ذلك من هذه الأنشطة، أما النوع الثاني فيشمل الأنشطة الإجرامية التي لا يمكن تسجيلها نظرا لأنها تستعمل سلعا وخدمات ممنوعة التداول كالمخدرات والرشوة وغسل الأموال وغيرها، كما تتعدد أسباب لجوء الأفراد إلى العمل في هذا النوع من الاقتصاد كارتفاع معدلات الضرائب و البطالة، تعقد النظم الإدارية ووجود الفساد. و ينجم عن كبر حجم الاقتصاد الخفي العديد من الآثار السلبية كتشوه البيانات والاحصاءات وفقدان الدولة لجزء مهم من إيراداتها الضريبية جراء التهرب من دفعها. كما أن لهذا النوع من الاقتصاد بعض الآثار الايجابية، فهو يقوم بدور المهدئ الاجتماعي خاصة في فترات الركود و الانكماش.
تعاني الجزائر على غرار باقي دول العالم من نمو وانتشار الأنشطة الاقتصادية الخفية، حيث أدت المراحل والتغيرات التي مر بها الاقتصاد الجزائري الى نمو واستفحال الاقتصاد الخفي خاصة بعد أزمة منتصف الثمانينات وبداية التسعينيات والتحول إلى النظام الرأسمالي وما صاحب ذلك من اختلالات هيكلية عميقة وتسريح كبير للعمال وغلق المؤسسات حيث عجز الاقتصاد الرسمي على توفير العمل ومعظم السلع والخدمات للأفراد وما صاحب ذلك من الانخفاض الشديد في المستوى المعيشي وغيرها من العوامل الأخرى التي أدت بالأفراد الى البحث عن مصادر أخرى للدخل والسلع والتي تكفل الاقتصاد الخفي بتوفيرها لهم مما أدى الى توسعه وازدهاره، وهذا يحسب كأثر ايجابي للاقتصاد الخفي لاستيعابه فائض العمالة ومساهمته في توفير السلع ورفع المستوى المعيشي للأفراد وبالتالي مساهمته في الدخل الكلي، وهذا ما خلصت إليه الدراسة حيث وجد أن للاقتصاد الخفي أثر إيجابي على الناتج في الجزائر خلال الفترة 1990-2013، وأنه يلعب دور المحفز للنمو الاقتصادي وذلك راجع للعلاقات المتداخلة بينه وبين الاقتصاد الرسمي بحيث يستعمل مدخلات يحصل عليها من الاقتصاد الرسمي كالطاقة والمواد الأولية وبعض المواد الأخرى مقابل أموال تضخ في الاقتصاد الرسمي كما يدفع أجورا لموظفيه يتم إنفاق جزء كبير منها في الاقتصاد الرسمي وبالتالي فهو يساهم بطريقة ما في الناتج الرسمي وفي النمو الاقتصادي، ورغم كل هذه الأثار الإيجابية إلا أن له العديد من الأثار السلبية على الاقتصاد لعل أهمها فقدان الدولة لجزء كبير من إيراداتها نتيجة لوجود الاقتصاد الخفي وتهرب أنشطته من دفع الضرائب والرسوم والتي كان من الممكن أن تحسن بشكل كبير وضعية الموازنة العامة للدولة، لذلك عليها العمل على زيادة جاذبية الاقتصاد الرسمي ووضع إطار شامل من السياسات الاقتصادية لدمج أنشطة الاقتصاد الخفي المشروعة للاستفادة من القيمة المضافة التي يمتلكها، وفي نفس الوقت مكافحة الأنشطة الأخرى المتعلقة بالجريمة بشتى الطرق والوسائل الممكنة.