Résumé:
يتوسط البحر الأبيض المتوسط القارات الثلاث أوربا، إفريقيا وآسيا، وله مناطق ذات أهمية إستراتيجية كبيرة فالقوة التي يمكنها أن تغلق هذه المضايق تكون قد أوقفت الملاحة إلى البحر المتوسط، ومنه إلى المناطق الأخرى، وشهدت المنطقة عبر التاريخ مواجهات عديدة بالأخص مع بداية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي وبعد زوال هذا الأخير ظهر تنافس من نوع جديد بين الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية عبر إطلاق مشاريع ومبادرات تستهدف الفضاء المتوسطي بأكمله، وهذا ما يعكس الأهمية الجيوسياسية للمتوسط.
ويواجه المتوسط العديد من التهديدات الأمنية ومن أهم مصادرها الإرهاب، والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والذي تعتبره الولايات المتحدة الأمريكية تهديدا لعالم ككل، وقد تضاعف اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية لمنطقة المتوسط بعد نهاية الحرب الباردة خاصة بعد تحولات 11 سبتمبر 2001، حيث يعتبر شريط تواصل إستراتيجية بين شمال إفريقيا غربا والشرق الأوسط شرقا، ونقطة مراقبة لأي نشاط وتهديدا على المصالح الأمريكية في دول المنطقة، كما تعتبر المنطقة محطة انطلاق التدخلات العسكرية في إطار إستراتيجيتها الجديدة "المجال المتوسطي الموسع".
يعتبر أمن واستقرار منطقة البحر الأبيض المتوسط من أولويات الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لعدم تولي الاتحاد الأوربي مسؤولياته الإقليمية، ولهذا وجب عليها التدخل في المنطقة بغية تأمين مصالحا وحمايتها، وخاصة مع نهاية الحرب الباردة، وأمام بيئة أمنية دولية جديدة وضعت الولايات المتحدة الأمريكية إستراتيجية أمنية تمكنها من مواجهة الوضع الدولي الجديد، فشرعت في عملية إصلاح واسعة للحلف الأطلسي بتبني إستراتيجية جديدة والتي حددت المحاور الكبرى للحلف وتوجهاته الجديدة، وكذا حدد أهداف ومهام أمنية جديدة للأسطول السادس الذي يضمن تواجدها لكونه الدرع الحامي لمصالحها في المنطقة، حيث كانت مهامه الأمنية والعسكرية السابقة تتمثل في الدفاع عن الأمن الأوربي ومراقبة الحركات العسكرية السوفياتية والتجسس ورغم زوال الخطر الشيوعي، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية أبقت على الأسطول متأهبا في مياه البحر المتوسط، وذلك لمراقبة القوى المعادية بشكل وقائي وضرب مصادر الإرهاب في الدول المارقة التي تهدد المصالح الأمريكية، وهذا ما يعني الانتشار العسكري وإيجاد مراكز جديدة للسيطرة الأمريكية بهدف تأمين خطوط مواصلات بحرية واحتياجاتها الطاقوية وبعيدا عن السياسة العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية، فقد استخدمت سياسة أمنية تمثلت في إقامة علاقات مع دول المنطقة (مصر تركيا، الاتحاد الأوربي)، كحلف إستراتيجي لها وتتسم هذه العلاقة بالقوية، بحيث يتطلب دوامها إستراتيجيا نوعا من التوازن في المصالح أي مصالح متبادلة.
ظهرت تحديات كبرى إثر انتهاء الحرب الباردة استدعت إحداث تغيير شامل في ملامح التوجه الإستراتيجي الأمريكي، وانصبت في الأساس على بروز الإرهاب وما ينتج عنه من مخاطر تزامنا مع توفّر وانتشار تكنولوجيات أسلحة الدمار الشامل، وسعت لمواجهة هذه التحديات عملت إدارة بوش على إدخال تغييرات جذرية في فكرها الإستراتيجي عبر تجاوز مفاهيم الحرب الباردة التقليدية، وهذا بهدف الاستجابة للمتغيرات الجديدة التي أفرزها تحول النظام الدولي وبصفة أساسية عقب هجمات الحادي عشر سبتمبر، والتي استغلت بدورها بشكل مدروس للإفصاح عن عقيدة إستراتيجية من نوع مختلف استهلت بإعلان حرب عالمية النطاق على الإرهاب، واستهداف عدة دول تدخل في هذا الإطار، وفي نفي الوقت يتوجه العالم نحو نظام عالمي جديد وهو بحاجة إلى ديمومة التطور الاقتصادي في العالم والذي لا يمكن تحقيقه إلا بتأمين مصادر تمويله ومنها النفط بالدرجة الأولي، حيث أن هذه المادة قادرة على إثارة الصراعات بين الدول، وقد قامت الولايات المتحدة على افتعال الحروب بهدف مكافحة الإرهاب في مناطق عديدة بينما كان النفط من الأسباب الحقيقية التي نحاول إخفاءها من أجل السيطرة على العالم.
وتحتل إسرائيل مكانة كبيرة في إستراتيجية الأمريكية وتعتبر أهم الفواعل المهمة والمؤثرة في قضايا منطقة المتوسط الشرقي، حيث تبنّت إستراتيجية لحمايتها وضمان أمنها بما أنها حليف إستراتيجي في المنطقة، وما يدل على ذلك إعلان دونالد ترامب الأخير أن القدس عاصمة إسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى فلسطين، وذلك كان إعلان صريح على أن أمريكا هي إسرائيل والعكس صحيح.