Résumé:
لقد عرفت الإدارة تطورا ملحوظا ومتسارعا على مستوى متطلبات وحاجيات المواطنين الذين أصبحوا أكثر من أي وقت مضى في طلب خدمات ملحة ومتزايدة على نحو سريع وذات جودة ونوعية أحسن ، فالإدارة المعاصرة لم تعد إدارة سلطوية ، بل إدارة خدمات ناجعة ونزيهة وشفافة منشغلة بإرضاء المستفيدين من خدماتها ، فهي مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالعمل على تطوير وتحسين نوعية خدماتها ، وفي ظل التطور السريع الذي يشهده العالم وخصوصا اكتساح تكنولوجيات الإعلام والاتصال وظهور مرافق إدارية حديثة ، فإن الجزائر ولمواكبة التحولات التي عرفتها خاصة بعد 1989 ، مطالبة بتطبيق جملة من الإصلاحات تستهدف المرافق العمومية بالدرجة الأولى ، وهذا من خلال تحديث طرق تسيير المرافق العمومية وباتخاذ جملة من التدابير الرامية إلى تحسين الخدمة العمومية وضمان خدمة عمومية ترقى إلى المستوى المطلوب ، كما أن هذا الإصلاح لم يكن وليد الصدفة بل فرضته الأزمة التي وصل إليها المرفق العام حيث شهد هذا الأخير أزمة حقيقية في أداء خدماته ، مما ساهم في ظهور العديد من النقائص و الإختلالات التي أثرت بصورة مباشرة على نوعية الخدمة العمومية ، إضافة إلى أزمة البيروقراطية .
ونظرا لأهمية موضوع تحسين الخدمة العمومية في الجزائر فإن تطوير وتحسين نوعية الخدمات العمومية أصبح يشكل انشغالا بارزا للحكومة الجزائرية هذا من جهة ، ومن جهة ثانية فإن تحسين الخدمة العمومية لم يكن وليد اليوم ، حيث انه ومنذ الاستقلال كان موضوعا لعدة معالجات قانونية في البرامج الحكومية المتعددة ، وذلك قصد تحسين سير ونجاعة المرفق العمومي ، حيث تم التطرق إليه في العديد من المرات وأنشأت له عدة آليات وهياكل ، كاستحداث وزارة لدى الوزارة الأولى مكلفة بإصلاح الخدمة العمومية سنة 2013، والتي تعبر عن نية السلطات العمومية في التوجه نحو عصرنة المرافق العمومية والرفع من جودة خدماتها، قبل التراجع عنها في ماي 2014 بحيث ألغيت هذه الوزارة والتي لم يمر على استحداثها أكثر من ستة أشهر، وفي إطار هذه الإصلاحات فقد كانت هناك مبادرة من الحكومة لإنشاء مرصد وطني للخدمة العمومية ، كما تعزز هذا الإصلاح بصدور تعليمتين للوزير الأول متعلقتين بإصلاح الخدمة العمومية وهي التعليمة رقم 298 المؤرخة في 22 سبتمبر 2013 ، وكذلك التعليمة رقم 321 المؤرخة بتاريخ 20 نوفمبر 2013 والتي حددت المحاور التي سيشملها تحسين الخدمة العمومية ، ولكن قبل هذا فقد تمت معالجة موضوع الخدمة العمومية بموجب المرسوم رقم 88/131 المنظم للعلاقات بين الإدارة والمواطن باهتمام بالغ وتحديدا بمقتضى القسم الرابع المعنون بـ التحسين الدائم لنوعية الخدمة العمومية .
إن الهدف من دراسة هذا الموضوع هو معرفة واقع الخدمة العمومية في الجزائر وذلك من خلال معرفة الوضعية التي وصل إليها المرفق العام ومحاولة تشخيص النقائص والاختلالات التي تعاني منها الإدارة ، كما تهدف إلى التطرق لأهم الآليات التي تسمح بتحديث طرق تسيير المرفق العام والتدابير التي اتخذتها في هذه الإصلاحات من اجل تحسين الخدمة العمومية وإعادة الثقة بين المواطن والإدارة .
والإشكالية التي حاولنا معالجتها من خلال البحث هي :
ما هو واقع الخدمة العمومية في الإدارة الجزائرية ؟ وما هي آليات تحسينها في الجزائر ؟
وتتضمن هذه الإشكالية التساؤلات الفرعية التالية :
ما مفهوم الخدمة العمومية ، وكيف يمكن إصلاحها ؟
ما مدى فعالية الإصلاحات في الرفع من جودة الخدمة العمومية ؟
ما هي التدابير التي اتخذتها الحكومة قصد تحسين الخدمة العمومية ؟
وعلى ضوء هذه الإشكالية والتساؤلات الفرعية اتبعنا الخطة التالية :
حيث يتضمن الفصل الأول واقع الخدمة العمومية وضرورة إصلاحها والذي نتناوله من خلال مبحثين ، نتناول في المبحث الأول واقع الخدمة العمومية ، ثم نتطرق في المبحث الثاني إلى ضرورة إصلاح الخدمة العمومية .
أما الفصل الثاني فيتضمن آليات تحسين الخدمة العمومية في الجزائر ، والذي نتناوله أيضا من خلال مبحثين ، حيث تم التطرق إلى تحديث الإدارة العمومية في المبحث الأول ، أما المبحث الثاني فقد تضمن الإصلاحات الجديدة لتحسين الخدمة العمومية .
ومن خلال هذه الدراسة يمكن القول بأن واقع الخدمة العمومية لم يعرف تحسنا كثيرا بالرغم من كل الإصلاحات التي يعرفها المرفق العمومي ، فهذا الأخير مزال يعاني من أزمة حقيقية في أداء الخدمات العمومية والتي أثرت على نظرة المواطن للإدارة ، وتتعلق هذه الأزمة أساسا بنوعية الخدمات العمومية المقدمة من جهة ، وبأخلاقيات المهنة داخل الإدارة من جهة أخرى ، لذلك وجب إعادة النظر في إصلاح المرافق العامة من اجل الوصول إلى مستوى النجاعة والمردودية ، كما يتطلب تخليق الحياة العمومية داخل المرافق العمومية وهو أمر أصبح ضروري ومسألة مهمة نظرا للدور الذي تلعبه في التقليل من مظاهر البيروقراطية التي شكلت هي الأخرى أزمة حقيقية مست الإدارة الجزائرية ، ويكون ذلك من خلال إعداد ميثاق أخلاقيات المهنة .
إن المحاولات الجديدة لإصلاح الخدمة العمومية وتحسين نوعيتها قد قلصت من حدة البيروقراطية وساهمت في تحسين الاستقبال والإرشاد ، كما ساهمت في التخفيف من العديد من الإجراءات الإدارية ، غير أنه رغم هذه المحاولات والإصلاحات فإنها تفتقد إلى الإستراتيجية الواضحة والشاملة التي تسير عليها عملية الإصلاح ، كما أن إصلاح الخدمة العمومية ونظرا لارتباطاته العميقة بإصلاح الدولة يبقى دائما يحتاج إلى الإرادة السياسية .
كما أن التدابير التي اتخذتها الحكومة قصد تأهيل وتطوير الخدمة العمومية ، كالتوجه نحو الإدارة الالكترونية كآلية جديدة للرفع من جودة الخدمة العمومية ، والتي ستساهم بشكل واضح في تحسين الخدمة العمومية وتطوير أداء الإدارة العمومية وذلك من خلال تقريب الإدارة من المواطن واختصار الإجراءات الإدارية التي يعاني منها المواطنين ، إضافة إلى ذلك فاستحداث الوزارة المكلفة بإصلاح الخدمة العمومية كان توجها جديدا في مجال تحسين الخدمات العمومية ، غير أن إلغاء هذه الأخيرة بالرغم من كل النجاحات والخدمات التي قدمتها هذه الوزارة للمواطن قد أثر بشكل كبير في رسم خطط الإصلاح المستقبلية من أجل تحسين الخدمات العمومية .
ولهذا يمكن القول بأن عملية تحسين الخدمة العمومية في الجزائر بحاجة ماسة وملحة إلى تدابير وإجراءات ناجعة تضمن التكيف والعصرنة من خلال المرونة في المعاملات والترشيد في التسيير ، كإدارة خدمات قائمة على الأهداف والنتائج وتسعى إلى تحقيق الفعالية والفاعلية